تراجع الديمقراطية فى مختلف دول العالم:
نقلا عن مجلة الفورين أفيرز
كتب لارى دياموند
منذ عام 1974 كانت أكثر من 90 دولة من دول العالم دولا مستقلة ديمقراطية.وشكلت الديمقراطية فى المكسيك واندونيسيا فى نهاية 1990 طفرة فى التحول الديمقراطى على مستوى العالم.حتى الدول العربية قد حظيت أيضا بنصيب من الديمقراطية وكان ذلك ملحوظا وخاصة حين هبت القوى الديمقراطية فى لبنان عام 2005 والتى ساقت الجيوش السورية خارج لبنان. كما حظيت مؤخرا العراق بتلك اللمحة الديمقراطية وأصلح العراقيون قادرين على المشاركة فى انتخابات حزبية برلمانية حرة لأول مرة.
ولكن منذ سنوات قليلة ماضية تراجعت الديمقراطية فى دول العالم بشكل ملحوظ.ومن أمثلة هذه الدول:نيجيريا وروسيا وتايلاند وفنزويلاوبنجلاديش والفلبين.وحتى الدول التى كانت تعرف بأنها دولا ديمقراطية مثل شيلى وغانا وبولندا وجنوب افريقيا أصبح لديها الان مشاكل كثيرة فى سير الديمقراطية فى حكوماتها.أما فى جنوب أسيا فتسود الديمقراطية هناك وبرغم ذلك تأتى الهند لتتربع على رأس الدول الغير مستقرة سياسيا.فى حين ان الدول العربية باتت تعانى من عدم وجود الديمقراطية بها هى الاخرى باستثناء المغرب.فالبعض يعانى من الارهاب والتطرف السياسى والدينى مثل لبنان والبعض الاخر مازال يحاول أن يسير على نهجا ديمقراطيا مثل مصر والاردن والبحرين.
فإذا أرادت حكومات دول العالم أن تنتهج نهجا ديمقراطيا فيجب أن تبدأ أولا بحل مشاكلها الداخلية كما ينبغى أن تنشأ حالة حوار متبادل بين المواطنين والحكومات حتى يسود جوا من الحرية والعدالة والديمقراطية.أما إذا ساد الفساد وانتشرت الجرائم فى المجتمع فى الوقت الذى تعلن
به الحكومات أنها دولا ديمقراطية فسيفقد الشعوب الثقة فى هذه الحكومات ومن ثم ينتشر الفساد والفوضى.
الوجه الاخر للديمقراطية
هناك عدة أسباب أدت الى اخفاق رجال السياسة والمحللين الغربيين فى معرفة أسباب تراجع الديمقراطية فى دول العالم منها:قيام إدارة بوش وبعض المنظمات المستقلة مثل منظمة بيت الحرية"فريدوم هاوس" بالتنويه دائما عن وجود عدد لا بأس به من الدول الديمقراطية فى العالم, مع إهمال لحجم هذه الدول وأهميتها الاستراتيجية, وبالرغم من ذلك فإن هناك دولا صغيرة بدأت تحظى بقدر من الديمقراطية مثل " أندونيسيا والمكسيك وأوكرانيا " . فى حين أخمدت بعض الدول الكبرى التى تحظى بأهمية استراتيجية مثل نيجيريا وروسيا معظم مبادىء الديمقراطية فى البلاد مع ازدياد موجة الخوف من القوى المعارضة.
أما عن فنزويلا فمازال هوجو شافيز متخوفا من أن يسمح بوجود حرية وعدالة سياسية فى بلاده خشية أن تطيح به هذه الديمقراطية خارج منصبه..وعلاوة على ذلك فإن الانتخابات فى دول أوروبا ليست عادلة ومع ذلك ظل الامر طى الكتمان لفترة طويلة ولم تتحدث عنه أوربا الا بعد أن تم انتهاك معايير الديمقراطية فى دول كثيرة من دول العالم مثل الغير صديقة مثل " روسيا وفنزويلا وبوليفيا" . كما أصبحبت الديمقراطية فى العالم الاشتراكى النامى هى مجرد ظاهرة سطحية بلا قيمة, تتحدث عنها الحكومات الفاسدة فقط والتى توصف بالتعسف السياسى كما يسيطر عليها حكومات الاقلية المستبدة وينتشر بها الفساد والرشوة.كما أن العدالة القانونية بها ليست موجودة على الاطلاق. فهذه الدول تقوم بعمل انتخابات بدعوى وجود ديمقراطية بها ولكن فى حقيقة الامر هى انتخابات يسودها الفساد وعدم النزاهة. وربما تكون هذه الدول لديها برلمان وأحزاب وحكومات محلية ولكن فى الواقع يقول إنها دولا لا تحترم القانون.. ونتيجة ذلك أصبحت الشعوب فى هذه البلدان تسعى لتنال رضا رجال السلطة ومصادر القوى مثل ( فلادمير بوتين فى روسيا) ( وشافيز فى فنزويلا). ويتخوف الكثيرون الان من أن ينحدر كل من ( إيفو موراليز فى بوليفيا ورافائيل كورى فى اكوادور) ويسلك كل منهما مسلك شافيز.
وفى تايلاند اختار الناخبون الحاكم المطلق عن طريق انتخابهم " تاكسين شناورتا" والذى كانت هزيمته العسكرية فى ديسمبر 2006 ما هى الا تجديدا لانبثاق حزبه من جديد فى ديسمبر 2007.. وهذه الانقلابات السياسية ما هى الا طريقا لمحاولة الشعوب أن تجبر حكامها على السير على نهج ديمقراطى والزامهم بسماع مطالبهم وتلبية احتياجاتهم وعدم تجاهلهم كشعوب لها حقوق كما عليها واجبات.
ومن سمات الدول الديمقراطية: وجود أحزاب كثيرة من بينها الاحزاب المعارضة وتشارك هذه الاحزاب فى الانتخابات مع وجود اشراف قضائى يضمن نزاهتها.حتى تكون انتخابات حرة عادلة.وكشفت منظمة " فريدوم هاوس" فى يناير 2008 أن الديمقراطية تلقى اهمالا كبيرا على مستوى العالم وخاصة فى السنتين الاخيرتين.كما أن هناك فجوة كبيرة فى الثقة بين المواطنين والحكومات والاحزاب السياسية فى كثير من الدول.ونتيجة ذلك أصبح المواطنون يؤمنون الان بأن الهدف الاول والاخير للحكومات هو ان تحمى نفسها بغض النظر عن مصلحة المواطن.حيث ان خمس سكان امريكا الجنوبية هم فقط من يثقوا فى الاحزاب السياسية هناك وربع السكان يمكنهم الثقة فى الهيئات التشريعية وحوالى ثلث السكان يثقون بالقضاء فى امريكا الاتينية.
وطبقا للاحصائيات الاسيوية فإن نسبة الفلبينيين الذين يؤمنون بوجود ديمقراطية فى بلادهم قد انخفضت من 64% الى 51% ما بين عامى 2001 الى 2005. كما أنخفضت نسبة القانعين والراضين على حال الديمقراطية فى الفلبين من 54% الى 39%. وطبقا للاحصاءات الافريقية فقد انخفضت فى نيجيريا نسبة من يثقون بوجود ديمقراطية فى بلادهم هناك ما بين عامى 2000 و2005 كما انخفضت ايضا نسبة من يثقون بأداء الحكومات هناك من 64 % الى 36% وهو ما يشير الى الحاجة الملحة فى افريقيا للعمل من اجل ايجاد ديمقراطية سياسية.
الغباء الحكومى
من المعروف أن النمو الاقتصادى هو اولى الخطوات التى تمهد لوجود ديمقراطية بأى بلد. واولى خطوات النو الاقتصادى هو وجود تطور فى الاداء الحكومى وبدون ذلك لا ينشأ تطور اقتصادى. ومن أجل ذلك يلزم وجود مؤسسات سياسية شرعية تحل المشكلات المتعلقة بالفساد والغش والتزوير وتعاقب المتورطين بهذهالاعمال. وبالتالى نصل فى النهاية الى طريق الديمقراطية.
على سبيل المثل نتحدث هنا عن كينيا. ففى كينيا أصبح الوضع الان مأساوى الى حد كبير. فقد حظيت كينيا فى الخمس سنوات الاخيرة بتقدم اقتصادى هام. ويعد هو الاول من نوعه منذ سنوات عديدة. ولكن بعد الانتخابات الرئاسية فى 27 ديسمبر 2007 زعم البعض وجود غش وتزوير فى هذه الانتخابات. وكانت نتيجة ذلك نشوب عنف ودما فى كينيا. وتفسير ذلك هو أ، الرئيس الكينى لم تكن غلطته وجود خطأ فى السياسة الاقتصادية لبلاده. ولكن غلطته تكمن فى عدم حزمه بشأن من يرتكب أخطاء جامحة فى بلاده . بالاضافة الى أنه وقع فى خطأ التمييز العرقى هناك.مما أدى الى هذا الوضع المأساوىبكينيا. ومن الامثلة المشابهة لكينيا فى عدم الاستقرار الديمقراطى السياسى, خمسن دولة أخرى تشمل معظم دول أمريكا اللاتينية وبعض الدول فى افريقيا واسيا.
و بات من الضرورى جدا تقديم الدعم لهذه الدول لتصبح دولا ديمقراطية وتتخلص من التوتر وعدم الاستقرار الذى تاعانى منه؟فالبعض يعانى من الفساد والبعض يعانى من التعسف السياسى وفى كل الاحوال فإن هذه الدول بحاجة الى اصلاح حكومى جذرى. حيث أصبحت القوة والسلطة فى مثل هذه البلاد قاصرة على الحكام وعائلاتهم,فهم يحتكرون السلطة الى حد كبير. واصبحت الشعوب تعانى الفقر والضعف والقهر والتعاسة. كما أن الاغنيا بهذه الدول لا يغتنون عن طريق الانتاج والعمل الجاد ولكن عن طريق السرقة واستغلال الضعفاء وخرق القانون.
ويكون هدفهم الوحيد هو الحصول على الثروة والقوة سواء بطرق مشروعة أو غير مشروعة. علاوة على أن الشرطة المنوطة بتوفير الامن ومنع الظلم والغش أصبحت تسعى هى الاخرى لتحقيق أطماعها حى ولو بطرق غير مشروعة. ولم يصبح هناك فرق بين اللصوص والمحتالين وبين الشرطة التى باتت لا تحترم القانون. بالاضافة الى ان القضاة لا يلقون بالا للقوانين والدستور. والعمال اصبحوا لا ينتجون. ورجال الاعمال بدورهم لا يستثمرون. والمقترضين من البنوك لا يردون الديون بل ويهربون بها.كل هذا على عكس الدول المتقدمة التى تنعم بقدر كبير من الديمقراطية. والتى يحترم كل فرد فيها القانون والجميع يؤدى ما عليه من ضرائب. والجميع يؤدى عمله بإخلاص وشرف.
هروب المختلسين
يجب أن يتم السيطرة على جميع محاولات النصب والاحتيال فى تلك الدول اذا ارادوا ان يسلكوا مسلكا ديمقراطيا. كما ينبغى التخلص من الخلافات العرقية والاقليمية وذلك كله من اجل نشأة مجتمعات مستقلة حرة ناجحة ذات مستوى ثقافى عال وذات اعلام حر هادف ومستوى فكرى رفيع .بلاد يحترم فيها كل مواطن مهما صغر او كبر. وتقام بها انتخابات حرة نزيهة ومحايدة ,دون تزوير.
ومن الضرورى وجود مؤسسات مختصة بحصر عدد التجاوزات المرتكبة فى أى مصلحة او مصنع او شركة حكومية. ولتفعيل دور هذه المؤسسات يجب أن يتم تعيين أناس محترفين فى هذا العمل ومن الضرورى ايضا توجيه قدر من الاعناية والاهتمام بالجانب الصحى والتعليمى والثقافى لهذه البلاد. والسماح بتعددية الاحزاب والمشاركة الحرة النزيهة فى الانتخابات.
أما عن المستوى الاقتصادى فينبغى زيادة عدد الاسواق الحرة. كما ينبغى أن تبدأ الشعوب فى العمل الجاد حتى تكون ثرواتهم عن طريق عمل شريف ولا بأس بوجود القطاع الخاص والذى يحجم دور الدولة فى المشاركة به الى حد كبير. فكلما تمكنت الدولة من حسن ادارة اقتصادها كلما قلت فئات النصب والاختلاس بها تمكن الدولة بذلك من حل مشكلاتها بشكل أفضل.
العمل من أجل إحياء الديمقراطية
ربما يكون الوضع الان غير مشجع على الاطلاق ولكن ما زال هناك الامل كبير من أجل حدوث تغيير.حتى الدول الفقيرة التى تعانى من انتشار الفساد والغش فإن الشعوب ما زالت تحاول إيقاع حكوماتها الفاسدة من أجل ان يحظوا بحكومات أخرى نزيهة. وقد أصبح أهم تحدى الان بالنسبة للولايات المتحدة والدول الديمقراطية الاخرى هو ان تساعد تلك الدول التى تفتقر الى وجود ديمقراطية بها.
ويجب أن يعلم الجميع انه ليس هناك خيارا الان سوى الاصلاح والسير فى طريق الديمقراطية. وقد بدأت بعض الدول المتقدمة بتقديم مساعدات مالية للدول الفقيرة من أجل تطوير التعليم والصحة بها.
وأخيرا فقد حان الوقت الان ليفهم الجميع ان هناك مشكلات مالية وسء حكومات وفجوة بين الشعوب والحكومات تعوق مسيرة الديمقراطية.كما ان وضع الديمقراطية الحالى فى دول كثيرة إذا استمر على حاله فسيؤدى الى كارثة فى الوضع الديمقراطى على مستوى العالم.وهو ما سيؤثر بدوره على حرية الانسان فى كل مكان ويسبب خطرا كبيرا عالميا.فيجب البدء فى اتخاذ خطوات جادة فعالة وايجابية بهذا الصدد.
this is the link of the translated topice